فصل: شهر ذي القعدة سنة 1226:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر جمادى الأولى سنة 1226:

وفيه ورد قاصد من الديار الرومية وعلى يده بشارة بأنه ولد للسلطان مولودة أنثى، فعملوا لها شنكاً وهي مدافع تضرب من أبراج القلعة في الأوقات الخمسة ثلاثة أيام.
وفيه فرضوا فرضة بغال على مياسير الناس وأهل الحرف بغلة وبغلتين وثلاثة والذي لم يكن عنده بغلة تلزم بالشراء أو أنه يدفع ثمنها كيساً عشرون ألف فضة.
وفيه انقطع الوارد من الديار الحجازية وغلا سعر البن حتى وصل إلى مائتين وسبعين نصف فضة كل رطل وقل وجوده من الأسواق والدكاكين فلا يوجد إلا مع المشقة وصنع الناس القهوة من أنواع الحبوب المحمصة كالشعير والقمح والفول وبزر العاقول وغيره مخلوطاً مع البن وبغير خلط.

.شهر جمادى الثانية سنة 1226:

في عشرينه خرج الباشا إلى البركة وطلب الجمال وقوافل العرب وشهل طائفة من العسكر للسفر إلى السويس فاهتموا بالدخول والخروج من المدينة وطفقوا يخطفون الحمير والبغال والجمال وكل ما صادفوه من الدواب ومن وجدوه راكباً ولو من وجهاء الناس أنزلوه عن دابته وركبوها فانقبض الناس وانكمش غالبهم عن الركوب لمصالحهم وأخفوا حميرهم وبغالهم، وأقام الباشا ثلاثة أيام جهة البركة، ثم ركب إلى السويس.
وفيه وردت مراكب وداوات وفيها البن وذلك باستدعاء الباشا لها من ناحية جدة واليمن لأجل حمل العساكر واللوازم وانحل سعر البن قليلاً.

.شهر رجب سنة 1226:

في ثاني عشرينه يوم الاثنين الموافق لسابع مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وكسر السد في صبحها يوم الثلاثاء بحضرة كتخدا بك والباشا غائب بالسويس.

.شهر شعبان سنة 1226:

في ثانيه سافر ديوان أفندي بمن بقي من العساكر البحرية وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر الباشا من السويس وشرع في تشهيل العساكر البرية.
وفي خامس عشره، خرج الباشا إلى العادلية واجتهد في تشهيل سفر العساكر البرية اجتهاداً كبيراً وجمع من أهل كل حرفة طائفة وكذلك من أهل كل صنعة والذي يعجز عن السفر يخرج عنه بدلاً وتعين من الفقهاء للسفر الشيخ محمد المهدي من الشافعية ومن الحنفية السيد أحمد الطحطاوي وشيخ حنبلي وصل من ناحية الشام وكانوا رسموا بإحضار السيد حسن كريت المالكي من رشيد والشيخ علي خفاجي من دمياط فحضروا واعتذروا فأعفيا من السفر ورجعا إلى بلديهما.
وفي هذا الشهر ظهر نجم له ذنب في جهة الشمال بين بنات نعش الصغرى وبين منار بنات نعش الكبرى رأسه جهة المغرب وذنبه صاعداً إلى جهة المشرق وله مستطيل في مقدار الرمح واستمر يظهر في كل ليلة والناس ينظرون إليه ويتحدثون به ويسألون الفلكيين عنه ويبحثون عن دلائله وعن الملاحم المصنفة في ذوات الأذناب واستمر ظهوره قريباً من ثلاثة أشهر واضمحل بعض جرمه ومشى إلى ناحية الجنوب وقرب من النسر الطائر.

.شهر رمضان سنة 1226:

واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء وفي يوم الخميس تاسعه ارتحل العسكر من الحصوة ونزلوا ببركة الحج.
وفي يوم الأحد ثاني عشره، ارتحلوا من البركة فكان مدة مكث العرضي من يوم الموكب إلى يوم ارتحالهم من البركة قريباً من ستة أشهر ونصف والناس في أمر مريج في كل شيء.
وفيه خرج السيد محمد المحروقي ليسافر صحبة الركب وخرج في موكب جليل لأنه هو المشار إليه في رياسة الركب ولوازمه واحتياجاته وأمور العربان ومشايخها وأوصى الباشا ولده طوسون باشا أمير العسكر بأن لا يفعل شيئاً من الأشياء إلا بمشورته واطلاعه ولا ينفذ أمراً من الأمور إلا بعد مراجعته.
وفيه وردت الأخبار بأن العساكر البحرية ملكوا ينبع البحر ونهبوا ما كان فيه من ودائع التجار وذلك أنه كان بمرساة الينبع عدة مراكب وأدوات والشريف غالب أمير مكة يكاتب الباشا ويراسله ويظهر له النصح والصداقة وخلوص المودة والباشا أيضاً يراسله ويكاتبه وأرسل له السيد سلامة النجاري والسيد أحمد المنلا الترجمان المحروقي بمراسلات وجوابات مراراً عديدة فكأنا هما السفيرين بينهما وأيضاً الشريف في كل كتابة مع كل مرسل يعاهد الباشا ويعاقده ويواعده بنصر عساكره متى وصلت وينافق للطرفين الذي هو العثماني والوهابي ويداهنهما أما الوهابي فلخوفه منه وعدم قدرته عليه فيظهر له الموافقة والامتثال وأنه معه على العهود التي عاهده عليها من ترك الظلم واجتناب البدع ونحو ذلك ويميل باطناً للعثمانيين لكونه على طريقتهم ومذاهبهم وتعاقد مع الباشا أنه متى وصلت عساكره قام بنصرتهم وساعدهم بكليته وجميع همته وأرسل إلى المراكب الكائنة بمرساة الينبع بأن ينقلوا ما فيها من مال التجار وغيرهم ويودعوه قلعة الينبع تحت وزيره وترك معه نحو الخمسمائة مع عسكره وأخذ المراكب فأوسقها من بضائعه وبهاره ورنه وأرسلها إلى السويس لتباع بمصر، ثم توسق بمهمات العسكر البحرية، فلما وصلت مراكب العساكر البحرية وألقت مراسيها قبالة الينبع احتاجوا إلى الماء، فلم يسعفوهم بالماء فطلع طائفة من العسكر إلى البر في طلب عين الماء فمانعهم من عندها مرابط فقاتلوهم وطردوهم ومنعوهم عن الماء وفي حال رجوعهم رموا عليهم من القلعة المدافع والرصاص والحال أن الأمر مبهم على الفريقين، فعند ذلك استعدت العساكر لمحاربة من بالقلعة واحتاطوا بها وضربوا عليها القنابل والمدافع وركبوا على سورها سلالم وصعدوا عليها وتسلقوا على سور القلعة من غير مبالاة بالرصاص النازل عليهم من الكائنين بالقلعة فملكوا القلعة وقتلوا من كان بها، ولم ينج منهم إلا الوزير ومعه ستة أنفار خرجوا هاربين على الخيول ونهبوا كل ما كان بالينبع من الودائع والأموال والأقمشة والبن وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر وأخذوهن أسرى ويبيعوهن على بعضهم البعض ووصل المبشرون بذلك في عشرينه فضربوا لذلك مدافع من القلعة كثيرة وعملوا شنكاً وطافت المبشرون على بيوت الأعيان ليأخذوا منهم البقاشيش وأرسلوا بتلك البشارة شخصاً معيناً كبيراً إلى إسلامبول يبشرون أهل الدولة وسلطان الإسلام وكان ذلك أول فتح حصل.

.شهر شوال سنة 1226:

واستهل شهر شوال بيوم الجمعة، وكان حقه أن يكون بيوم السبت لأن الهلال لم يكن موجوداً ليلة الجمعة، ولم يره ليلة السبت إلا النادر من الناس وكان قوسه ليلة السبت عشر درجات.
وفي سادس عشره، وصلت هجانة ومكاتبات من عساكر البر يخبرون بوصولهم إلى بندر المويلح في اليوم السابع من الشهر، وكان العيد عندهم بمغاير شعيب يوم السبت.
وفيه خرجت تجريدة لتسافر إلى قبلي لمحاربة من بقي من الأمراء المصريين بناحية إبريم.

.شهر ذي القعدة سنة 1226:

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأحد، فيه وصلت حجاج المغاربة في عدة مراكب على ظهر البحر وتلف منهم نحو ثلاثة مراكب وحضر بعدهم بأيام الركب الطرابلسي ونزل بساحل بولاق.
وفي سادسه، حضر أيضاً الركب الفاسي وفيهم ابن سلطان الغرب مولاي إبراهيم ابن مولاي سليمان فاعتنى الباشا بشأنه وأرسل كتخدا بك لملاقاته وقد له تقادم وأعدوا له منزل على كاشف بالقرب من بيت المحروقي لينزل فيه وتقيد بخدمته الرئيس حسن المحروقي وحواشيهم لمطبخه وكلف طعامه، فلما عدى طلع إلى القلعة وقابل الباشا، ونزل إلى المنزل الذي أعده له وأمامه قواسة أتراك وطرادون وأشخاص أتراك يضربون على طبلات وأمامه جميع المغاربة مشاة ويأمرون الناس الجالسين بالحوانيت بالقيام له على أقدامهم فأقام خمسة أيام حتى قضى أشغاله وفي تلك المدة تغدو إليه وتروح رسل الباشا وأرسل له هدية وذخيرة من كل صنف سكر وعسل وسمن ودقيق وبقسماط وأشياء أخر وبارود وأعطى له ألف بندقية لضرب الرصاص وبرز في عاشره وسافروا في ثاني عشره.
وفي يوم الخميس تاسع عشره، وصلت هجانة على أيديهم مكاتبات خطاباً إلى الباشا وغيره وفيهم الخبر بأن العسكر البري اجتمع مع العسكر البحري وأخذوا ينبع البر من غير حرب وأن العربان أتت إليهم أفواجاً وقابلوا طوسون باشا وكساهم وخلع عليهم، ثم انقطعت الأخبار.

.شهر ذي الحجة سنة 1226:

في منتصفه وصلت هجانة ومعهم رؤوس قتلى ومكاتبات مؤرخة في منتصف شهر القعدة مضمونها أنهم وصلوا إلى ينبع البر في حادي عشرين شوال واجتمع هناك العسكران البري والبحري وأنهم ملكوا قرية ابن جبارة من الوهابية وتسمى قرية السويق وفر ابن جبارة هارباً وحضرت عربان كثيرة وقابلوا ابن الباشا وأنهم مقيمون وقت تاريخه في منزلة الينبع منتظرين وصول الذخيرة وعاق المراكب ريح الشتاء المخالف وأنه ورد عليهم خبر ليلة أربعة عشر شهره بأن جماعة من كبار الوهابية حضروا بنحو سبعة آلاف خيال وفيهم عبد الله بن مسعود وعثمان المضايفي ومعهم مشاة وقصدوا أن يدهموا العرضي على حين غفلة، فخرج إليهم شديد شيخ الحويطات ومعه طوائفه ودلاة وعساكر فوافاهم قبل شروق الشمس ووقع بينهم القتال والوهابية يقولون هاه يا مشركون وانجلت الحرب عن هزيمة الوهابية وغنموا منهم نحو سبعين هجيناً من الهجن الجياد محملة أدوات وكانت الحرب بينهم مقدار ساعتين، هذا ملخص ما ذكره وفي الأجوبة التي حضرت.
وفي يوم الجمعة خامس عشرينه، وصلت قافلة من السويس وحضر فيها جاويش باشا وصحبته مكاتبات وحضر أيضاً السيد أحمد الطحطاوي والشيخ الحنبلي وأخبروا أن العرضي ارتحل من ينبع البر في سابع عشر ذي القعدة، ووصلوا إلى منزل الصفراء والجديدة ونصبوا عرضيهم وخيامهم ووطاقاتهم بالقرب من الجبال فوجدوا هناك متاريس وأحجاراً فحاربوا على أول متراس حتى أخذوه، ثم أخذوا متراساً آخر وصعدت العساكر إلى قلل الجبال فهالهم كثرة الجيش وسارت الخيالة في مضيق الجبال هذا والحرب قائمة في أعلى الجبال يوماً وليلة إلى بعد الظهيرة من يوم الأربعاء ثالث عشرى القعدة، فما يشعر السفلانيون إلا والعساكر الذين في الأعالي هابطون منهزمون فانهزموا جميعاً وولوا الأدبار وطلبوا جميعاً الفرار وتركوا خيامهم وأحمالهم وأثقالهم وطفقوا ينهبون ويخطفون ما خف عليهم من أمتعة رؤسائهم، فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف ويأخذ دابته ويركبها وربما قتله وأخذ دابته وساروا طالبين الوصول إلى السفائن بساحل البريك لأنهم كانوا أعدوا عدة مراكب بساحل البريك من باب الاحتياط ووقع في قلوبهم الرعب واعتقدوا أن القوم في أثرهم والحال أنه لم يتبعهم أحد لأنهم لا يذهبون خلف المدبر ولو تبعوهم ما بقي منهم شخص واحد فكانوا يصرخون على القطائر فتأتي إليهم القطيرة وهي لا تسع إلا القليل فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها فيصعد منهم الجماعة ويمنعون البواقي من إخوانهم فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص حتى كانوا من شدة حرصهم وخوفهم واستعجالهم على النزول في القطائر يخوضون في البحر إلى رقابهم وكأنما العفاريت في أثرهم تريد خطفهم وكثير من العسكر والخدم، لما شاهدوا الازدحام على اسكة البريك ذهبوا مشاة إلى ينبع البحر ووقع التشتيت في الدواب والأحمال والخلائق من الخدم وغيرهم ورجع طوسون باشا إلى ينبع البحر بعد أن تغيب يوماً عن معسكره حتى أنهم ظنوا فقده ورجع أيضاً المحروقي وديوان أفندي واستقروا بالينبع وترك المحروقي خيامه بما فيها فنزل بها طائفة من العسكر المنهزمين وهم على جهد من التعب والجوع فوجدوا بها المآكل والحلاوات وأنواع الملبسات والكعك المصنوع بالعجمية والسكر المكرر والغربيات والخشكنانكات والمربيات وأنواع الشرابات فوقعوا عليها أكلاً ونهباً، ولما تحققوا أن العرب لم تتبعهم، ولم تأت في إثرهم أقاموا على ذلك يومين حتى استوفوا أغراضهم وشبعت بطونهم وارتاحت أبدانهم، ثم لحقوا بإخوانهم فكانوا هم أثبت القوم وأعقلهم ولو كان على غير قصد منهم فكان مدة لإقامة المعسكر والعرضي بينبع البر أربعة وعشرين يوماً وأما الخيالة فإنهم اجتمعوا وساروا راجعين إلى المويلح، وقد أجهدهم التعب وعدم الذخيرة والعليق حتى حكوا أنهم كانوا قبل الواقعة يعلقون على الجمل بنصف قدح قمح مسوس وكانت علائفهم في كل يوم أربعمائة وخمسين أردباً، وأما المحروقي فإن كبار العسكر قامت عليه وأسمعوه الكلام القبيح وكادوا يقتلونه فنزل في سفينة وخلص منهم، وحضر من ناحية القصير وحضر الكثير من أتباعه وخدمه متفرقين إلى مصر فأما الذين ذهبوا إلى المويلح فهم تأمر كاشف وحسن بك دالي باشا وآخرون فأقاموا هناك في انتظار إذن الباشا في رجوعهم إلى مصر أو عدم رجوعهم، وأما صالح آغا قوج فإنه عندما نزل السفينة كر راجعاً إلى القصير واستقل برأيه لأنه يرى في نفسه العظمة وأنه الأحق بالرياسة ويسفه رأي المحروقي وطوسون باشا ويقول هؤلاء الصغار كيف يصلحون لتدبير الحروب ويصرح بمثل هذا الكلام وأزيد منه، وكان هو أول منهزم وعلم كل ذلك الباشا بمكاتبات ولده طوسون فحقده في نفسه وتمم ذلك بسرعة رجوعه إلى القصير، ولم ينتظر إذناً في الرجوع أو المكث ولما حصل ذلك، لم يتزلزل الباشا واستمر على همته في تجهيزه عساكر أخرى وبرزوا إلى خارج البلدة وفرض على البلاد جمالاً ذكر أنها من أصل الغرائم والفرض في المستقبل وكذلك فرض غلالاً فكان المفروض على إقليم الشرقية خاصة اثني عشر ألف أردب بعناية علي كاشف قابله الله بما يستحق وانقضت السنة بحوادثها التي منها هذه الحادثة وأظنها طويلة الذيل.
ومنها أن النيل هبط قبل الصليب بأيام قليلة بعد أن بلغ في الزيادة مبلغاً عظيماً حتى غرق الزرع الصيفي والدراوي، ولما انحسر عن الأرض زرعوا البرسيم والوقت صائف والحرارة مستجنة في الأرض فتولدت فيه الدودة وأكلت الذي زرع فبدروه ثانية فأكلته أيضاً وفحش أمر الدودة جداً في الزرع البدري وخصوصاً بإقليم الجيزة والقليوبية والمنوفية بل وباقي الأقاليم.
ومنها أن الباشا أحدث ديواناً ورتبوه ببيت البكري القديم بالأزبكية وأظهر أن هذا الديوان لمحاسبة ما يتعلق به من البلاد ومحاسباتها والقصد الباطني غير ذلك وقيد به إبراهيم كتخدا الرزاز والشيخ أحمد يوسف كاتب حسن أفندي الروزنامجي وما انضم إليهم من الكتبة المسلمين دون الأقباط ليحرروا به قوائم المصروف والمضاف والبراني فكانوا يجلسون لذلك كل يوم ما عدا يوم الجمعة، ثم تطرق الحال لسور بلاد الباشا وهو أن الكثير من الفلاحين لما سمعوا ذلك أتوا من كل ناحية إلى مصر وكتبوا عرضحالات إلى كتخدا بك وللباشا يتظلمون من أستاذيهم وينهون أنهم يزيدون عليهم زيادات في قوائم المصروف ويشددون عليهم في طلب الفرض أو بواقيها فيدفعهم الباشا أو الكتخدا إلى ذلك الديوان المحدث لينظر في أمورهم ويصحبهم معين تركي مباشر يأتي بالملتزم أيضاً والفلاحين والشاهد والصراف وقوائم المصروف لأجل المحاققة، فعند ذلك يتعنت إبراهيم كتخدا في القوائم ويطلب قوائم السنين الماضية المختومة، ونحو ذلك ولما فشا هذا الأمر وأشيع في البلدان أتت طوائف الفلاحين أفواجاً إلى هذا الديوان يطلبون الملتزمين ويخاصمونهم ويكافحونهم فيكون أمراً مهولاً وغاية في الزحام والعياط والشباط، وكذلك رفعوا المعلم منصور ومن معه من الكتبة من مباشرة ديوان ابنه إبراهيم بك الدفتردار وقيدوا بدلهم السيد محمد غانم الرشيدي ومحمد أفندي سليم ومن انضم إليهم وأظهر الباشا أنه يفعل ذلك لما علمه من خيانة الأقباط والقصد الخفي خلاف ذلك وهو الاستيلاء والاستحواذ الكلي والجزئي وقطع منفعة الغير ولو قليلاً فيضرب هذا بهذا والناس أعداء بعضهم لبعض وقلوبهم متنافرة فيغري هذا بذاك وذاك بهذا ومن الناس من سمى هذا الديوان ديوان الفتنة.
ومنها الزيادة الفاحشة في صرف المعاملة والنقص في وزنها وعيارها وذلك أن حضرة الباشا أبقى دار الضرب على ذمته وجعل خاله ناظراً عليها وقرر لنفسه عليها في كل شهر خمسمائة كيس بعد أن كان شهريتها أيام نظارة المحروقي خمسين كيساً في كل شهر ونقصوا وزن القروش نحو النصف عن القرش المعتاد وزادوا في خلطه حتى لا يكون فيه مقدار ربعه من الفضة الخالصة ويصرف بأربعين نصفاً وكذلك المحبوب نقصوا من عياره ووزنه، ولما كان الناس يتساهلون في صرف المحبوب والريال الفرانسة ويقبضونها في خلاص الحقوق من المماطلين والمفلسين وفي المبيعات الكاسدة بالزيادة لضيق المعايش حتى وصل صرف الريال إلى مائتين وخمسين نصفاً والمحبوب إلى مائتين وثمانين، ثم زاد الحال في التساهل في الناس بالزيادة أيضاً عن ذلك فينادي الحاكم بمنع الزيادة ويمشي الحال أياما قليلة ويعود لما كان أو أزيد فتحصل المناداة أيضاً ويعقبونها بالتشديد والتنكيل بمن يفعل ذلك ويقبض عليه أعوان الحاكم ويحبس ويضرب ويغرمونه غرامة وربما مثلوا به وخرموا أنفه وصلبوه على حانوته وعلقوا الريال في أنفه ردعاً لغيره وفي أثناء ذلك إذا بالمناداة بأن يكون صرف الريال بمائتين وسبعين والمحبوب بثلثمائة وعشرة فاستمع وتعجب من هذه الأحكام الغريبة التي لم يطرق سمع سامع مثلها هذا مع عدم الفضة العديدة في أيدي الناس فيدور الشخص بالقرش وهو ينادي على صرفه بنقص أربعة أنصاف نصف يوم حتى يصرفه بقطع إفرنجية منها ما هو باثني عشر أو خمسة وعشرين أو خمسة فقط أو يشتري من يريد الصرف شيئاً من الزيادات أو الخضري أو الجزار ويبقى عنده الكسور الباقية يعده بغلاقها فيعود إليه مراراً حتى يتحصل عنده غلاقها وليس هو فقط بل أمثاله كثير وسبب شحة الفضة العددية أنه يضرب منها كل يوم بالضربخانة ألوف مؤلفة يأخذها التجار بزيادة مائة نصف في كل ألف يرسلونها إلى بلاد الشام والروم ويعوضون بدلها في الضربخانة الفرانسة والذهب لأنها تصرف في تلك البلاد بأقل مما تصرف به في مصر وزاد الحال بعد هذا التاريخ حتى استقر على صرف الألف مائتين وتقرر ذلك في حساب الميري فيدفع الصارف ثلاثين قرشاً عنها ألف ومائتان ويأخذ ألفاً فقط والفرانسة والمحبوب بحسابه المتعارف بذلك الحساب والأمر لله وحده.
وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فلم يمت من مشاهير الفقهاء من له شهرة ولا ذكر وأما الأمراء فقد تقدم ذكرهم.
وما وقع لهم ومقتلهم إجمالاً فأغنى عن التكرار فالله يرحمنا أجمعين.